الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
مَنْ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُرْتَدِّينَ قَالَ قَوْمٌ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَرَفَ الْمُنَافِقِينَ , وَعَرَفَ أَنَّهُمْ مُرْتَدُّونَ كَفَرُوا بَعْدَ إسْلاَمِهِمْ وَوَاجَهَهُ رَجُلٌ بِالتَّجْوِيرِ , وَأَنَّهُ يُقَسِّمُ قِسْمَةً لاَ يُرَادُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ وَهَذِهِ رِدَّةٌ صَحِيحَةٌ فَلَمْ يَقْتُلْهُ. قَالُوا : فَصَحَّ أَنْ لاَ قَتْلَ عَلَى مُرْتَدٍّ , وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَتْلٌ لاََنْفَذَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ الْمُرْتَدِّينَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فِيهِمْ قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ , وَنَحْنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ذَاكِرُونَ كُلَّ آيَةٍ تَعَلَّقَ بِهَا مُتَعَلَّقٌ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَّفَ الْمُنَافِقِينَ بِأَعْيَانِهِمْ , وَمُبِينُونَ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَأْيِيدِهِ أَنَّهُمْ قِسْمَانِ : قِسْمٌ لَمْ يُعَرِّفْهُمْ قَطُّ عليه السلام. وَقِسْمٌ آخَرُ افْتَضَحُوا , فَعَرَّفَهُمْ فَلاَذُوا بِالتَّوْبَةِ , وَلَمْ يُعَرِّفْهُمْ عليه السلام أَنَّهُمْ كَاذِبُونَ أَوْ صَادِقُونَ فِي تَوْبَتِهِمْ فَقَطْ. فَإِذَا بَيَّنَّا هَذَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى بَطَلَ قَوْلُ مَنْ احْتَجَّ بِأَمْرِ الْمُنَافِقِينَ فِي أَنَّهُ لاَ قَتْلَ عَلَى مُرْتَدٍّ , وَبَقِيَ قَوْلُ : مَنْ رَأَى الْقَتْلَ بِالتَّوْبَةِ. وَأَمَّا إنَّهُ لاَ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ , وَالْبُرْهَانُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ , فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ تَعَالَى وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَيْضًا ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ قَالاَ جَمِيعًا : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا : إذَا حَدَّثَ كَذَبَ , إذَا وَعَدَ أَخْلَفَ , إذَا عَاهَدَ غَدَرَ , وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ. فَقَدْ صَحَّ أَنَّ هَاهُنَا نِفَاقًا لاَ يَكُونُ صَاحِبُهُ كَافِرًا , وَنِفَاقًا يَكُونُ صَاحِبُهُ كَافِرًا , فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَرَادُوا التَّحَاكُمَ إلَى الطَّاغُوتِ لاَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُظْهِرِينَ لِطَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُصَاةً بِطَلَبِ الرُّجُوعِ فِي الْحُكْمِ إلَى غَيْرِهِ مُعْتَقِدِينَ لِصِحَّةِ ذَلِكَ , لَكِنْ رَغْبَةً فِي اتِّبَاعِ الْهَوَى , فَلَمْ يَكُونُوا بِذَلِكَ كُفَّارًا بَلْ عُصَاةً , فَنَحْنُ نَجِدُ هَذَا عِيَانًا عِنْدَنَا , فَقَدْ نَدْعُو نَحْنُ عِنْدَ الْحَاكِمِ إلَى الْقُرْآنِ وَإِلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّابِتِ عَنْهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ فَيَأْبَوْنَ ذَلِكَ وَيَرْضَوْنَ بِرَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , هَذَا أَمْرٌ لاَ يُنْكِرُهُ أَحَدٌ , فَلاَ يَكُونُونَ بِذَلِكَ كُفَّارًا , فَقَدْ يَكُونُ أُولَئِكَ هَكَذَا حَتَّى إذَا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ , وَجَبَ أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى هَذَا قَدِيمًا وَحَدِيثًا , وَإِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَأَبَى وَعَنَدَ فَهُوَ كَافِرٌ وَلَيْسَ فِي الآيَةِ : أَنَّ أُولَئِكَ عَنَدُوا بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ , فَإِذْ لاَ بَيَانَ فِيهَا فَلاَ حُجَّةَ فِيهَا لِمَنْ يَقُولُ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفَهُمْ أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ وَأَقَرَّهُمْ. وَقَالَ تَعَالَى وَقَالَ تَعَالَى وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ : سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ : لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أُحُدٍ رَجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ , وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرْقَتَيْنِ : فِرْقَةٌ تَقُولُ : نُقَاتِلُهُمْ , وَفِرْقَةٌ تَقُولُ : لاَ نُقَاتِلُهُمْ , فَنَزَلَتْ فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ فَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ , وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى أُولَئِكَ : مُنَافِقِينَ. وَأَمَّا قوله تعالى فِي هَذِهِ الآيَةِ مُتَّصِلاً بِذَلِكَ وَقَالَ تَعَالَى فإن قال قائل : مَعْنَى حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ حَتَّى يُجَاهِدُوا مَعَكُمْ , بِخِلاَفِ فِعْلِهِمْ حِينَ انْصَرَفُوا عَنْ أُحُدٍ وَأَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوا الآيَةَ كُلَّهَا فِي الْمُنَافِقِينَ الْمُنْصَرِفِينَ عَنْ أُحُدٍ قِيلَ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : هَذَا مُمْكِنٌ , وَلَكِنْ قَدْ قَالَ تَعَالَى فَإِنْ قَالُوا : قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ , كَذَبُوا كَذِبًا لاَ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ , وَمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ شَكٌّ فِي أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَقْتُلْ مِنْهُمْ أَحَدًا ، وَلاَ نَبَذَ الْعَهْدَ إلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ. وَإِنْ قَالُوا : لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عليه السلام ، وَلاَ الْمُؤْمِنُونَ قِيلَ لَهُمْ : صَدَقْتُمْ , وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام خَالَفَ أَمْرَ رَبِّهِ , فَأَمَرَهُ تَعَالَى إنْ تَوَلَّوْا بِقَتْلِهِمْ , حَيْثُ وَجَدَهُمْ , فَلَمْ يَفْعَلْ , وَهَذَا كُفْرٌ مِمَّنْ ظَنَّهُ بِلاَ شَكٍّ. فَإِنْ قَالُوا : لَمْ يَتَوَلَّوْا بَلْ تَابُوا وَرَجَعُوا وَجَاهَدُوا قِيلَ لَهُمْ : فَقَدْ سَقَطَ حُكْمُ النِّفَاقِ عَنْهُمْ بِلاَ شَكٍّ وَحَصَلَ لَهُمْ حُكْمُ الْإِعْلاَمِ بِظَاهِرِ الآيَةِ بِلاَ شَكٍّ فَقَدْ بَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الآيَةِ جُمْلَةً فِي أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَعْرِفُ الْمُنَافِقِينَ. وَلَكِنْ فِي قوله تعالى { السلام ، وَلاَ نُسِبُوا قَطُّ إلَى قَوْمٍ مُعَاهِدِينَ النَّبِيَّ عليه السلام بِمِيثَاقٍ مَعْقُودٍ , هَذَا مَعَ قوله تعالى فإن قيل : فَإِنْ كَانَ الأَمْرُ كَمَا قُلْتُمْ أَنَّ فِي قوله تعالى قلنا إنَّ النِّفَاقَ قِسْمَانِ : قِسْمٌ لِمَنْ يُظْهِرُ الْكُفْرَ وَيُبْطِنُ الْإِيمَانَ , وَقِسْمٌ لِمَنْ يُظْهِرُ غَيْرَ مَا يُضْمِرُ فِيمَا سِوَى الدِّينِ ، وَلاَ يَكُونُ بِذَلِكَ كَافِرًا , وَقَدْ قِيلَ لأَبْنِ عُمَرَ : إنَّا نَدْخُلُ عَلَى الْإِمَامِ فَيَقْضِي بِالْقَضَاءِ فَنَرَاهُ جَوْرًا فَنَمْسِكُ فَقَالَ : إنَّا مَعْشَرَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعُدُّ هَذَا نِفَاقًا , فَلاَ نَدْرِي مَا تَعُدُّونَهُ أَنْتُمْ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَإِنْ صَلَّى وَإِنْ صَامَ وَقَالَ إنِّي مُسْلِمٌ. فَإِذَا كَانَ الأَمْرُ كَذَلِكَ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ نَقْطَعَ عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الإِسْلاَمِ إِلاَّ بِنَصٍّ , وَلَكِنَّا نَقْطَعُ عَلَيْهِمْ بِمَا قَطَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ اسْمِ النِّفَاقِ , وَالضَّلاَلَةِ , وَالْإِرْكَاسِ , وَخِلاَفِ الْهُدَى ، وَلاَ نَزِيدُ ، وَلاَ نَتَعَدَّى مَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِآرَائِنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى قال أبو محمد : أَمَّا هَؤُلاَءِ فَمُنَافِقُونَ النِّفَاقَ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ , فَلاَ شَكَّ لِنَصِّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُمْ مُذَبْذَبُونَ , لاَ إلَى الْمُؤْمِنِينَ , وَلاَ إلَى الْمُجَاهِرِينَ بِالْكُفْرِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ , وَأَنَّهُمْ أَشَدُّ عَذَابًا مِنْ الْكُفَّارِ , بِكَوْنِهِمْ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ. وَلَكِنْ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الآيَاتِ كُلِّهَا أَنَّهُ عليه السلام عَرَفَهُمْ , بِأَعْيَانِهِمْ , وَعَرَفَ نِفَاقَهُمْ , إذْ لاَ دَلِيلَ عَلَى ذَلِكَ , فَلاَ حُجَّةَ فِيهَا لِمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ عليه السلام عَرَفَهُمْ , وَعَرَفَ نِفَاقَهُمْ. ثُمَّ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ قوله تعالى قال أبو محمد رحمه الله : فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَوْمٍ يُسَارِعُونَ فِي الَّذِينَ كَفَرُوا حَذَرًا أَنْ تُصِيبَهُمْ دَائِرَةٌ , وَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ لِلْكَافِرِينَ وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : فَهَذِهِ فِي الْمُنَافِقِينَ بِلاَ شَكٍّ , وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لاَ يَعْلَمُونَهُمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَاطَبٌ بِهَذَا الْخِطَابِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ بِلاَ شَكٍّ فَهُوَ لاَ يَعْلَمُهُمْ , وَاَللَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُهُمْ , وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد رحمه الله : لَيْسَ فِي أَوَّلِ الآيَةِ إِلاَّ أَنَّهُمْ يَحْلِفُونَ كَاذِبِينَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ كَذِبَهُمْ فِي ذَلِكَ , وَأَنَّهُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ بِذَلِكَ , وَهَذِهِ صِفَةُ كُلِّ عَاصٍ فِي مَعْصِيَتِهِ. وَفِي الآيَةِ أَيْضًا : مُعَاتَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ عليه السلام عَلَى إذْنِهِ لَهُمْ. وَأَمَّا قوله تعالى وَلاَ خِلاَفَ فِي هَذِهِ الآيَةِ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ تَبُوكَ , وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ تَبُوكَ غَزْوَةٌ أَصْلاً , وَلَكِنَّا نَقْطَعُ عَلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ هُنَاكَ غَزْوَةٌ بَعْدَ تَبُوكَ وَبَعْدَ نُزُولِ الآيَةِ فَاسْتَأْذَنَ قَوْمٌ مِنْهُمْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُعُودِ دُونَ عُذْرٍ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لَكَانُوا بِلاَ شَكٍّ مُرْتَابَةً قُلُوبُهُمْ كُفَّارًا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ مُتَرَدِّدِينَ فِي الرَّيْبِ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الآيَةِ. ثُمَّ قوله تعالى وَقَوْله تَعَالَى قال أبو محمد رحمه الله : قَدْ قِيلَ : إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْحُرِّ بْنِ قَيْسٍ وَهَذَا لاَ يَنْسَنِدُ أَلْبَتَّةَ , وَإِنَّمَا هُوَ مُنْقَطِعٌ مِنْ أَخْبَارِ الْمَغَازِي , وَلَكِنْ عَلَى كُلِّ حَالٍ يُقَالُ : هَذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِلاَ شَكٍّ. وَلَيْسَ فِي الآيَةِ أَنَّهُ كَفَرَ بِذَلِكَ , وَلَكِنَّهُ عَصَى و (.. ) وَأَذْنَبَ , وَبَلَى إنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ بِهَذَا النَّصِّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْقَائِلَ كَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ. وَأَمَّا الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ إنْ أَصَابَتْ رَسُولَهُ عليه السلام سَيِّئَةٌ وَمُصِيبَةٌ تَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ , أَوْ أَنَّهُ إنْ أَصَابَتْهُ حَسَنَةٌ سَاءَتْهُمْ , فَهَؤُلاَءِ كُفَّارٌ بِلاَ شَكٍّ , وَلَيْسَ فِي الآيَةِ نَصٌّ عَلَى أَنَّ الْقَائِلَ : ائْذَنْ لِي ، وَلاَ تَفْتِنِّي , كَانَ مِنْهُمْ , وَلاَ فِيهَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام عَرَفَهُمْ وَعَرَفَ نِفَاقَهُمْ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الآيَةِ. وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : أَمَّا هَؤُلاَءِ فَكُفَّارٌ بِلاَ شَكٍّ , مُظْهِرُونَ لِلْإِسْلاَمِ , وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الآيَةِ أَنَّهُ عليه السلام عَرَفَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ , وَلاَ دَلِيلَ فِيهَا عَلَى ذَلِكَ أَصْلاً , وَإِنَّمَا هِيَ صِفَةٌ وَصَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ لِيُمَيِّزُوهَا مِنْ أَنْفُسِهِمْ. وَلَيْسَ فِي قوله تعالى وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذَا لاَ يَدُلُّ أَلْبَتَّةَ لاَ بِنَصٍّ , وَلاَ بِدَلِيلٍ عَلَى كُفْرِ مَنْ فَعَلَ هَذَا , وَلَكِنَّهَا مَعْصِيَةٌ بِلاَ شَكٍّ. وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : لاَ يَصِحُّ أَنَّ أَحَدًا عَادَ إلَى أَذَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُحَادَّتِهِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ بِالنَّازِلِ فِي ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ كَانَ كَافِرًا. وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ امْرَأً لَوْ أَسْلَمَ وَلَمْ يَعْلَمْ شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ فَاعْتَقَدَ أَنَّ الْخَمْرَ حَلاَلٌ , وَأَنْ لَيْسَ عَلَى الْإِنْسَانِ صَلاَةٌ , وَهُوَ لَمْ يَبْلُغْهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ كَافِرًا بِلاَ خِلاَفٍ يُعْتَدُّ بِهِ , حَتَّى إذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فَتَمَادَى حِينَئِذٍ بِإِجْمَاعِ الأَمَةِ فَهُوَ كَافِرٌ. وَيُبَيَّنُ هَذَا قوله تعالى فِي الآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَقَالَ تَعَالَى وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : هَذِهِ بِلاَ شَكٍّ فِي قَوْمٍ مَعْرُوفِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إيمَانِهِمْ وَلَكِنَّ التَّوْبَةَ مَبْسُوطَةٌ لَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَمَّا فِي الظَّاهِرِ فَقَدْ تَابَ جَمِيعُهُمْ بِنَصِّ الآيَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ تَعَالَى وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : وَهَذِهِ الآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَؤُلاَءِ كَانُوا مَعْرُوفِينَ بِأَعْيَانِهِمْ وَأَنَّهُمْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إسْلاَمِهِمْ , وَلَكِنْ لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وبرهان ذَلِكَ : حَلِفُهُمْ وَإِنْكَارُهُمْ فَلاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ تَعَالَى رُوِّينَا أَثَرًا لاَ يَصِحُّ , وَفِيهِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ثَعْلَبَةَ بْنِ حَاطِبٍ وَهَذَا بَاطِلٌ , لأََنَّ ثَعْلَبَةَ بَدْرِيٌّ مَعْرُوفٌ , وَهَذَا أَثَرٌ : حَدَّثَنَا حُمَامٌ ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَالِكِ بْنِ عَائِذٍ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي غَسَّانَ ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْبَاجِيَّ ني سَهْلٌ السُّكَّرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْخَرَّازُ ، حَدَّثَنَا مِسْكِينُ بْنُ بُكَيْرٍ ، حَدَّثَنَا مَعَانُ بْنُ رِفَاعَةَ السَّلاَمِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : جَاءَ ثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ بِصَدَقَتِهِ إلَى عُمَرَ فَلَمْ يَقْبَلْهَا وَقَالَ : لَمْ يَقْبَلْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ أَبُو بَكْرٍ , وَلاَ أَقْبَلُهَا قال أبو محمد : وَهَذَا بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِقَبْضِ زَكَوَاتِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ , وَأَمَرَ عليه السلام عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ لاَ يَبْقَى فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ , فَلاَ يَخْلُو ثَعْلَبَةُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا فَفَرَضَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ , وَعُمَرَ قَبْضَ زَكَاتِهِ ، وَلاَ بُدَّ , وَلاَ فُسْحَةَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَفَرَضَ أَنْ لاَ يُقِرَّ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَسَقَطَ هَذَا الأَثَرُ بِلاَ شَكٍّ , وَفِي رُوَاتِهِ : مَعَانُ بْنُ رِفَاعَةَ وَالْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ , وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ وَهُوَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الأَلْهَانِيُّ وَكُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ , وَمِسْكِينُ بْنُ بُكَيْرٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. وَقَالَ تَعَالَى وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : قَدَّمْنَا هَذِهِ الآيَةَ وَهِيَ مُؤَخَّرَةٌ عَنْ هَذَا الْمَكَانِ ; لأََنَّهَا مُتَّصِلَةُ الْمَعَانِي بِاَلَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلَهَا , لأََنَّهُمَا جَمِيعًا فِي أَمْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ثُمَّ نَذْكُرُ الْقَوْلَ فِيهِمَا جَمِيعًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قال أبو محمد : هَذِهِ الآيَاتُ فِيهَا : أَنَّهُمْ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ , وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ وَهَذَا لَيْسَ كُفْرًا بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ. وَأَمَّا قوله تعالى وَقَوْله تَعَالَى برهان ذَلِكَ : مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصًا يُكَفِّنُ فِيهِ أَبَاهُ فَأَعْطَاهُ ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ , فَقَامَ عُمَرُ وَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ : قال أبو محمد : وَحَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ : حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْوَرْدِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الرَّقِّيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ : لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ دُعِيَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصَّلاَةِ عَلَيْهِ فَقَامَ إلَيْهِ فَلَمَّا وَقَفَ إلَيْهِ يُرِيدُ الصَّلاَةَ تَحَوَّلْتُ حَتَّى قُمْتُ فِي صَدْرِهِ فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي عَلَى عَدُوِّ اللَّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ الْقَائِلِ كَذَا يَوْمَ كَذَا , وَالْقَائِلِ كَذَا فِي يَوْمِ كَذَا , أُعَدِّدُ أَيَّامَهُ حَتَّى إذَا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ يَا عُمَرُ أَخِّرْ عَنِّي إنِّي قَدْ خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ قَدْ قِيلَ لِي اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ فَلَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إنْ زِدْت عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْتُ قَالَ : ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَشَى مَعَهُ حَتَّى قَامَ عَلَى قَبْرِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُ , قَالَ : فَعَجِبْتُ لِي وَلِجُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , فَوَاَللَّهِ مَا كَانَ إِلاَّ يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتْ هَاتَانِ الآيَتَانِ ، وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا ، وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إلَى قوله تعالى حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ ، حَدَّثَنَا حُجَيْرُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ دُعِيَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَتَ , ثُمَّ قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي عَلَى ابْنِ أُبَيٍّ وَقَالَ يَوْمَ كَذَا : كَذَا وَكَذَا , أُعَدِّدُ عَلَيْهِ , فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ , فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ : إنِّي خُيِّرْتُ فَاخْتَرْتُ فَلَوْ عَلِمْتُ أَنِّي إنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا , فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ انْصَرَفَ , فَمَا مَكَثَ إِلاَّ يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتْ الآيَتَانِ مِنْ بَرَاءَةٍ الْمَذْكُورَتَانِ , قَالَ عُمَرُ : فَعَجِبْتُ مِنْ جُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذْرِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُرَيْمٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : لَمَّا حَضَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ الْمَوْتُ , قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَرَى بَيْنَهُمَا كَلاَمٌ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ : قَدْ أَفْقَهُ مَا تَقُولُ وَلَكِنْ مُنَّ عَلَيَّ الْيَوْمَ وَكَفِّنِّي بِقَمِيصِكَ هَذَا , وَصَلِّ عَلَيَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَكَفَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَمِيصِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيَّ صَلاَةٍ كَانَتْ , وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخْدَعْ إنْسَانًا قَطُّ غَيْرَ ، أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ : كَلِمَةً حَسَنَةً , قَالَ الْحَكَمُ : فَسَأَلْت عِكْرِمَةَ مَا هَذِهِ الْكَلِمَةُ قَالَ : قَالَتْ قُرَيْشٌ : يَا أَبَا حَبَّابٍ إنَّا قَدْ مَنَعْنَا مُحَمَّدًا طَوَافَ هَذَا الْبَيْتِ , وَلَكِنَّا نَأْذَنُ لَك فَقَالَ : لاَ , لِي فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ". حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَسَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ : أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَقَدْ وُضِعَ فِي حُفْرَتِهِ فَوَقَفَ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ حُفْرَتِهِ , فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ , وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ , وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قال أبو محمد رحمه الله : فَهَذَا كُلُّهُ يُوجِبُ صِحَّةَ مَا قُلْنَاهُ لِوُجُوهٍ : أَحَدُهَا ظَاهِرُ الآيَةِ كَمَا قلنا مِنْ أَنَّهُمْ كَفَرُوا قَبْلُ , وَمَاتُوا عَلَى الْفِسْقِ. وَالثَّانِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَهَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ عَنْ الأَسْتِغْفَارِ جُمْلَةً لِلْمُشْرِكِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يَعْلَمْ قَطُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَالْمَذْكُورِينَ كُفَّارٌ فِي الْبَاطِنِ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ بْنِ حَوْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ , وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَمِّ قُلْ : لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ , وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ : أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعِيدَانِ عَلَيْهِ تِلْكَ الْمَقَالَةَ , حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ , آخِرُ مَا كَلَّمَهُمْ بِهِ : عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا وَاَللَّهِ لاََسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى قال أبو محمد : فَصَحَّ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الأَسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ نَزَلَ بِمَكَّةَ بِلاَ شَكٍّ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُوقِنْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ مُشْرِكٌ وَلَوْ أَيْقَنَ أَنَّهُ مُشْرِكٌ لَمَا صَلَّى عَلَيْهِ أَصْلاً , وَلاَ اسْتَغْفَرَ لَهُ , وَكَذَلِكَ تَعْدِيدُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَقَالاَتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ : لاَ , وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ كَافِرًا لَصَرَّحَ بِذَلِكَ , وَقَصَدَ إلَيْهِ , وَلَمْ يُطَوِّلْ بِغَيْرِهِ. وَالثَّالِثُ شَكَّ ابْنُ عَبَّاسٍ , وَجَابِرٌ , وَتَعَجَّبَ عُمَرُ مِنْ مُعَارَضَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلاَتِهِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ , وَإِقْرَارِهِ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَفُ مِنْهُ. وَالرَّابِعُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا نَهَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلاَةِ عَلَيْهِمْ وَالأَسْتِغْفَارِ لَهُمْ فَقَطْ , وَلَمْ يَنْهَ سَائِرَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ ذَلِكَ , وَهَذَا لاَ نُنْكِرُهُ , فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يُصَلِّي عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لاَ يُتْرَكُ لَهُ وَفَاءٌ وَيَأْمُرُ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّلاَةِ عَلَيْهِمْ. فَصَحَّ يَقِينًا بِهَذَا أَنَّ مَعْنَى الآيَاتِ إنَّمَا هُوَ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ , وَعَلِمَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ عليه السلام وَالْمُسْلِمُونَ. ثُمَّ تَابُوا فِي ظَاهِرِ الأَمْرِ , فَمِنْهُمْ مِنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ بَاطِنَهُ كَظَاهِرِهِ فِي التَّوْبَةِ , وَمِنْهُمْ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ بَاطِنَهُ خِلاَفُ ظَاهِرِهِ , وَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ النَّبِيُّ عليه السلام ، وَلاَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ تَعَالَى وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد رحمه الله : فَهَذِهِ نَصُّ الآيَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَيْضًا وَقَدْ تَكَلَّمْنَا فِيهَا , وَقَالَ تَعَالَى فأما الْمُبْطِنُونَ لِلْكُفْرِ مِنْهُمْ فَلَمْ يَعْلَمْهُمْ النَّبِيُّ عليه السلام ، وَلاَ عَلِمَهُمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى فَقَطْ. وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذِهِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا , وَقَدْ قلنا : إنَّ فِيهِمْ مَنْ كَفَرَ , فَأُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ , وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْجَأَ أَمْرَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ وَجَهَنَّمُ تَكُونُ جَزَاءً عَلَى الْكُفْرِ وَتَكُونُ جَزَاءً عَلَى الْمَعْصِيَةِ , وَكَذَلِكَ لاَ يَرْضَى تَعَالَى عَنْ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ , وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا كَافِرِينَ. وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : وَهَذِهِ الآيَاتُ كُلُّهَا تُبَيِّنُ نَصَّ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ فِيهِمْ كُفَّارًا فِي الْبَاطِنِ قال أبو محمد رحمه الله : لاَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى , وَأَمَّا رَسُولُهُ عليه السلام فَلاَ. وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : هَذِهِ الآيَةُ مُبَيِّنَةٌ نَصَّ مَا قُلْنَاهُ بَيَانًا لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يُخَالِفَهُ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام لاَ يَعْلَمُ الْمُنَافِقِينَ لاَ مِنْ الأَعْرَابِ , وَلاَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْلَمُهُمْ , وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَتُوبُ فَيَعْفُو اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ , وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْمُورٌ بِأَخْذِ زَكَوَاتِ جَمِيعِهِمْ عَلَى ظَاهِرِ الإِسْلاَمِ. وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد رحمه الله : وَهَذِهِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا , وَفِيهَا , أَنَّ بُنْيَانَهُمْ لِلْمَسْجِدِ قَصَدُوا بِهِ الْكُفْرَ , ثُمَّ أَظْهَرُوا التَّوْبَةَ , فَعَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى صِدْقَ مَنْ صَدَقَ فِيهَا , وَكَذِبَ مَنْ كَذَبَ فِيهَا. وَنَعَمْ لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَقَدْ قَدَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَنْ أَذْنَبَ ذَنْبًا فَمُمْكِنٌ أَنْ لاَ يَغْفِرَهُ لَهُ أَبَدًا حَتَّى يُعَاقِبَهُ عَلَيْهِ , وَهَذَا مُقْتَضَى هَذِهِ الآيَةِ. وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد رحمه الله : فَهَذِهِ لاَ دَلِيلَ فِيهَا أَصْلاً عَلَى أَنَّ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ مَعْرُوفُونَ بِأَعْيَانِهِمْ لَكِنَّهَا صِفَةٌ وَصَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى يَعْرِفُونَهَا مِنْ أَنْفُسِهِمْ إذَا سَمِعُوهَا فَقَطْ. وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : لَيْسَ فِي هَذِهِ الآيَةِ بَيَانٌ أَنَّهُمْ مَعْرُوفُونَ بِأَعْيَانِهِمْ وَإِنَّمَا هِيَ صِفَةٌ مَنْ سَمِعَهَا عَرَفَهَا مِنْ نَفْسِهِ , وَهِيَ تَخْرُجُ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَافِرًا وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ النِّفَارَ عَنْ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدِينُ بِأَنْ لاَ يَرْضَى بِهِ فَهَذَا كُفْرٌ مُجَرَّدٌ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ فَاعِلٌ ذَلِكَ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ فِي الظُّلْمِ وَمُحَابَاةِ نَفْسِهِ عَارِفًا بِقُبْحِ فِعْلِهِ فِي ذَلِكَ وَمُعْتَقِدًا أَنَّ الْحَقَّ فِي خِلاَفِ فِعْلِهِ فَهَذَا فَاسِقٌ , وَلَيْسَ كَافِرًا. وَالثَّانِي أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مُقَلِّدًا لأَِنْسَانٍ فِي أَنَّهُ قَدْ شَغَفَهُ تَعْظِيمُهُ إيَّاهُ وَحُبُّهُ مُوهِمًا نَفْسَهُ أَنَّهُ عَلَى حَقٍّ , وَهَذِهِ الْوُجُوهُ كُلُّهَا مَوْجُودَةٌ فِي النَّاسِ فَأَهْلُ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ الآخَرَيْنِ مُخْطِئُونَ عُصَاةٌ وَلَيْسُوا كُفَّارًا وَيَكُونُ مَعْنَى قوله تعالى وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد رحمه الله : هَذِهِ الآيَةُ يَقْتَضِي ظَاهِرُهَا أَنَّ أَهْوَاءَ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ مَعْرُوفَةٌ , وَهُوَ أَنْ يَكْفُرَ جَمِيعُ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ تَعَالَى وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد رحمه الله : هَذَا أَيْضًا لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ مَعْرُوفُونَ بِأَعْيَانِهِمْ وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عَنْ قَائِلِينَ قَالُوا ذَلِكَ. وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : وَهَذَا أَيْضًا مُمْكِنٌ أَنْ يَقُولَهُ يَهُودٌ , وَمُمْكِنٌ أَنْ يَقُولَهُ أَيْضًا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ خَوَرًا وَجُبْنًا , وَإِذْ كُلُّ ذَلِكَ مُمْكِنٌ فَلاَ يَجُوزُ الْقَطْعُ مِنْ أَجْلِ هَذِهِ الآيَةِ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْرِفُ أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى قال أبو محمد : مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الآيَةِ أَنَّ هَذَا كُفْرٌ أَصْلاً , فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : فَهَذِهِ لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا فِي قَوْمٍ مَعْرُوفِينَ بِأَعْيَانِهِمْ وَلَكِنَّهَا صِفَةٌ يَعْرِفُهَا مِنْ نَفْسِهِ مَنْ سَمِعَ مِنْهُمْ هَذِهِ الآيَةَ , إِلاَّ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَهَا بِيَسِيرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قال أبو محمد : قَدْ مَضَى قَوْلُنَا فِي قوله تعالى وَقَالَ تَعَالَى وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : هَذِهِ الآيَةُ فِيهَا كِفَايَةٌ لِمَنْ عَقَلَ وَنَصَحَ نَفْسَهُ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَطَعَ بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ , وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ , وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ : لَيُغْرِيَنَّ بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَهُ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً , فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ يَكُونُونَ إنْ لَمْ يَنْتَهُوا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً وَإِعْرَابُ مَلْعُونِينَ أَنَّهُ حَالٌ لِمُجَاوَرَتِهِمْ مَعْنَاهُ لاَ يُجَاوِرُونَهُ إِلاَّ قَلِيلاً مَلْعُونِينَ. وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى غَيْرَ هَذَا لَقَالَ : مَلْعُونُونَ عَلَى خَبَرِ ابْتِدَاءٍ مُضْمَرٍ ثُمَّ أَكَّدَ تَعَالَى بِأَنَّ هَذَا هُوَ سُنَّتَهُ تَعَالَى الَّتِي لاَ تَتَبَدَّلُ. فَنَسْأَلُ مَنْ قَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ وَعَلِمَ نِفَاقَهُمْ , هَلْ انْتَهَوْا أَوْ لَمْ يَنْتَهُوا فَإِنْ قَالَ : انْتَهَوْا , رَجَعَ إلَى الْحَقِّ , وَصَحَّ أَنَّهُمْ تَابُوا وَلَمْ يَعْلَمْ بَاطِنَهُمْ فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ أَوْ كَذِبِهَا إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ , وَلَمْ يَعْلَمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ إِلاَّ الظَّاهِرَ الَّذِي هُوَ الإِسْلاَمُ , أَوْ كُفْرًا رَجَعُوا عَنْهُ فَأَظْهَرُوا التَّوْبَةَ مِنْهُ. وَإِنْ قَالَ : لَمْ يَنْتَهُوا , لَمْ يَبْعُدْ عَنْ الْكُفْرِ , لأََنَّهُ يَكْذِبُ اللَّهَ تَعَالَى , وَيُخْبِرُ أَنَّهُ تَعَالَى بَدَّلَ سُنَّتَهُ الَّتِي قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لاَ يُبَدِّلُهَا أَوْ بَدَّلَهَا رَسُولُهُ عليه السلام. قال أبو محمد : وَكُلُّ مَنْ وَقَفَ عَلَى هَذَا وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ ثُمَّ تَمَادَى فَهُوَ كَافِرٌ , لأََنَّهُ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ تَعَالَى , أَوْ مُجَوِّرٌ لِرَسُولِهِ عليه السلام وَكِلاَ الأَمْرَيْنِ كُفْرٌ. قال أبو محمد : وَلَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ مَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ ثُمَّ قَالَ : مَا انْتَهَوْا ، وَلاَ أَغْرَاهُ بِهِمْ قال أبو محمد : نَحْنُ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا , فَإِنَّ قَائِلَهُ آفِكٌ كَاذِبٌ , عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى لاَ يَحِلُّ لَهُ الْكَلاَمُ فِي الدِّينِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْعَافِيَةَ. وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : مَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى فَقَدْ طَبَعَ عَلَى قَلْبِهِ فِي الْوَجْهِ الَّذِي عَصَى فِيهِ , وَلَوْ لَمْ يَطْبَعْ عَلَى قَلْبِهِ فِيهِ لَمَا عَصَى فَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَؤُلاَءِ مُنَافِقِينَ فَإِعْلاَنُهُمْ بِالتَّوْبَةِ مَاحٍ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الظَّاهِرِ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْبَاطِنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : وَهَذَا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ هَذَا النَّظَرُ يُبَيِّنُ مُعْتَقَدَهُمْ وَإِظْهَارَهُمْ الإِسْلاَمَ تَوْبَةً تَصِحُّ بِهِ قَبُولُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ النَّظَرُ دَلِيلاً يَتَمَيَّزُونَ بِهِ فَهُمْ كَغَيْرِهِمْ ، وَلاَ فَرْقَ. وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : هَذِهِ صِفَةٌ مُجْمَلَةٌ لِمَنْ ارْتَدَّ مُعْلِنًا أَوْ مُسِرًّا , وَلاَ دَلِيلَ فِيهَا عَلَى أَنَّهُ عليه السلام عَرَفَ أَنَّهُمْ مُنَافِقُونَ مُسِرُّونَ لِلْكُفْرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى : أَنَّهُ لَوْ شَاءَ أَرَاهُمْ نَبِيَّهُ عليه السلام وَهَذَا لاَ شَكَّ فِيهِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : قَدْ ذَكَرْنَا فِي " بَرَاءَةٍ , وَالْفَتْحِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ اسْتَسْلَمُوا لِلَّهِ تَعَالَى غَلَبَةً وَلَمْ يَدْخُلْ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ , وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَسَطَ لَهُمْ التَّوْبَةَ فِي الآيَةِ نَفْسِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : فَهَذِهِ حِكَايَةٌ عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ , وَإِخْبَارٌ بِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الدُّنْيَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ , وَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا مَعْرُوفِينَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ , وَهَذِهِ الآيَةُ يُوَافِقُهَا : مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَدِيثٍ فَيَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ : مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتْبَعْهُ فَيَتْبَعُ مَنْ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ , وَيَتْبَعُ مَنْ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ , وَيَتْبَعُ مَنْ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ , وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : هَؤُلاَءِ مَعْرُوفُونَ بِلاَ شَكٍّ , وَلَكِنَّ التَّوْبَةَ لَهُمْ مَبْسُوطَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا فِي سَائِرِ الآيَاتِ. وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : وَهَذِهِ صِفَةُ قَوْمٍ لَمْ يُسْلِمُوا إِلاَّ أَنَّهُمْ يَتَبَرَّءُونَ مِنْ مُوَالاَةِ الْكُفَّارِ , فَإِنْ كَانُوا مَعْرُوفِينَ بِالْكُفْرِ فَالتَّوْبَةُ لَهُمْ مَبْسُوطَةٌ , كَمَا ذَكَرَ تَعَالَى فِي سَائِرِ الآيَاتِ الَّتِي تَلَوْنَا قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : هَذَا قَدْ يَكُونُ سِرًّا عَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْهُ وَفَضَحَهُ وَلَمْ يُسَمِّ قَائِلَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ عَرَفَ فَالتَّوْبَةُ لَهُمْ مَبْسُوطَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا فِي سَائِرِ الآيَاتِ , وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : هَذَا نَزَلَ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ , كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيُّ قَالَ : سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ أَصَابَ النَّاسَ فِيهِ شِدَّةٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ : لاَ تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ , وَقَالَ : لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ , فَأَرْسَلَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ , فَاجْتَهَدَ يَمِينَهُ مَا فَعَلَ , فَقَالُوا : كَذَبَ زَيْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ , فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِمَّا قَالَ شِدَّةٌ , حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى تَصْدِيقِي فِي كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ : فَقَالَ : دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ , فَسَمِعَ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَقَالَ : فَعَلُوهَا , أَمَا وَاَللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ , فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : دَعْهُ لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ , فَقَالَ سُفْيَانُ : فَحَفِظْتُهُ مِنْ عُمَرَ , وَقَالَ : سَمِعْتُ جَابِرًا قَالَ : كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال أبو محمد : أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا مَنْعُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْمَغْفِرَةِ لَهُمْ , فَإِنَّمَا هُوَ بِلاَ شَكٍّ فِيمَا قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ , لاَ فِي مُرَاجَعَةِ الْإِيمَانِ بَعْدَ الْكُفْرِ , فَإِنَّ هَذَا مَقْبُولٌ مِنْهُمْ بِلاَ شَكٍّ. برهان ذَلِكَ : مَا سَلَفَ فِي الآيَاتِ الَّتِي قَدَّمْنَا قَبْلُ , وَأَيْضًا إطْلاَقُهُمْ فِيهِ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الأَسْتِغْفَارِ لَهُمْ بِقَوْلِهِ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ وَهُمْ قَدْ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ بِلاَ شَكٍّ , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّاتِهِمْ. برهان ذَلِكَ : مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ شَكِّ جَابِرٍ , وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَعُمَرَ ، رضي الله عنهم ، فِي ابْنِ أُبَيٍّ بِعَيْنِهِ صَاحِبِ هَذِهِ الْقِصَّةِ. وَكَذَلِكَ الْخَبَرُ عَنْ جَابِرٍ إذْ قَالَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ عليه السلام دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ فَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّهُ حِينَئِذٍ مُنَافِقٌ , لَكِنَّهُ قَدْ كَانَ نَافَقَ بِلاَ شَكٍّ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه مِثْلَ هَذَا فِي مُؤْمِنٍ بَرِئَ مِنْ النِّفَاقِ جُمْلَةً وَهُوَ حَاطِبُ بْنُ بَلْتَعَةَ وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : دَعْهُ لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى تَحْرِيمِ دَمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ بِقَوْلِهِ عليه السلام " دَعْهُ " وَهُوَ عليه السلام لاَ يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ بِأَنْ يَدَعَ النَّاسُ فَرْضًا وَاجِبًا. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ بَيَانٌ جَلِيٌّ بِظَاهِرِ لَفْظِهِ , مَقْطُوعٌ عَلَى غَيْبَةٍ بِصِحَّةِ بَاطِنٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ مِنْ جُمْلَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِظَاهِرِ إسْلاَمِهِ , وَأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَهُمْ حُكْمُ الإِسْلاَمِ , وَاَلَّذِينَ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى دِمَاءَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ لَوْ حَلَّ دَمُ ابْنِ أُبَيٍّ لَمَا حَابَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ لَمَا ضَيَّعَهُ عليه السلام وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَقْتُلُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَدْ كَفَرَ , وَحَلَّ دَمُهُ وَمَالُهُ , لِنِسْبَتِهِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَاطِلَ , وَمُخَالَفَةِ اللَّهِ تَعَالَى , وَاَللَّهِ : لَقَدْ قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ الْفُضَلاَءَ الْمَقْطُوعَ لَهُمْ بِالْإِيمَانِ وَالْجَنَّةِ , إذْ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ , كَمَاعِزٍ , وَالْغَامِدِيَّةِ , وَالْجُهَيْنِيَّةِ ، رضي الله عنهم ، فَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ , وَالضَّلاَلِ الْبَحْتِ , وَالْفُسُوقِ الْمُجَرَّدِ : بَلْ مِنْ الْكُفْرِ الصَّرِيحِ : أَنْ يَعْتَقِدَ , أَوْ يَظُنَّ مَنْ هُوَ مُسْلِمٌ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْتُلُ مُسْلِمِينَ فَاضِلِينَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَشْنَعَ قِتْلَةً بِالْحِجَارَةِ , وَيَقْتُلُ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْد الأَنْصَارِيَّ قِصَاصًا بِالْمُجَدَّرِ بْنِ خِيَارٍ الْبَلَوِيِّ بِعِلْمِهِ عليه السلام دُونَ أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ أَحَدٌ , وَالْمَرْأَةَ الَّتِي أَمَرَ أُنَيْسًا بِرَجْمِهَا , إنْ اعْتَرَفَتْ. وَبِقَطْعِ يَدِ الْمَخْزُومِيَّةِ وَيَقُولُ لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعْتُ يَدَهَا. وَبِقَوْلِهِ عليه السلام إنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا أَصَابَ الضَّعِيفُ مِنْهُمْ الْحَدَّ أَقَامُوهُ عَلَيْهِ , وَإِذَا أَصَابَهُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ. ثُمَّ يَفْعَلُ هُوَ عليه السلام ذَلِكَ , وَيُعَطِّلُ إقَامَةَ الْحَقِّ الْوَاجِبِ فِي قَتْلِ الْمُرْتَدِّ عَلَى كَافِرٍ يَدْرِي أَنَّهُ ارْتَدَّ الآنَ , ثُمَّ لاَ يَقْنَعُ بِهَذَا حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهِ , وَيَسْتَغْفِرَ لَهُ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهُ كَافِرٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ نَهْيُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ عَنْ الأَسْتِغْفَارِ لِلْكُفَّارِ. وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ مَنْ دَانَ بِهَذَا وَاعْتَقَدَهُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ , مُشْرِكٌ , مُرْتَدٌّ , حَلاَلُ الدَّمِ وَالْمَالِ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهُ وَمِنْ وِلاَيَتِهِ مَنْ يَظُنُّ بِهِ النِّفَاقَ بِلاَ خِلاَفٍ , فَالأَمْرُ فِيمَنْ دُونَهُ بِلاَ شَكٍّ أَخْفَى فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ فِي هَذِهِ الآيَاتِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَصَحَّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ أَنْ كَفَرَ هُوَ وَمَنْ سَاعَدَهُ عَلَى ذَلِكَ أَظْهَرُوا التَّوْبَةَ وَالْإِسْلاَمَ , فَقَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ مِنْهُمْ , وَلَمْ يَعْلَمْ بَاطِنَهُمْ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ أَمْ عَلَى مَا أَظْهَرُوا مِنْ التَّوْبَةِ وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِيمٌ بِذَلِكَ , وَهُوَ بِلاَ شَكٍّ الْمُجَازِي عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ تَعَالَى قال أبو محمد : هَذَا يَخْرُجُ عَلَى وَجْهَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا : أَمَّا مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُنَافِقٌ وَكَفَرَ فَإِنَّهُ عليه السلام يُجَاهِدُهُ بِعَيْنِهِ بِلِسَانِهِ , وَالْإِغْلاَظُ عَلَيْهِ حَتَّى يَتُوبَ وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْهُ بِعَيْنِهِ جَاهَدَهُ جُمْلَةً بِالصِّفَةِ , وَذَمِّ النِّفَاقِ , وَالدُّعَاءِ إلَى التَّوْبَةِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْبَحْتِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ أَنَّ فُلاَنًا بِعَيْنِهِ مُنَافِقٌ مُتَّصِلُ النِّفَاقِ ثُمَّ لاَ يُجَاهِدُهُ , فَيَعْصِي رَبَّهُ تَعَالَى , وَيُخَالِفُ أَمْرَهُ وَمَنْ اعْتَقَدَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ , لأََنَّهُ نَسَبَ الأَسْتِهَانَةَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قال أبو محمد : هَذَا كُلُّ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ , وَبَقِيَتْ آثَارٌ نَذْكُرُهَا الآنَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ ني اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ ، حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ رَبِيعٍ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا قَالَ فِي حَدِيثٍ فَغَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ , قَالَ : وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرَةٍ صَنَعْنَاهَا لَهُ , قَالَ : فَثَابَ فِي الْبَيْتِ رِجَالٌ ذَوُو عَدَدٍ , فَاجْتَمَعُوا , فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ : أَيْنَ مَالِكُ بْنُ الدِّخْشَنِ أَوْ ابْنُ دَخْشَنٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : ذَلِكَ مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ تَقُلْ ذَلِكَ , أَلاَ تَرَاهُ قَدْ قَالَ : لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ قَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ وَنَصِيحَتَهُ إلَى الْمُنَافِقِينَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ : لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى حدثنا عبد الله بن ربيع ، حَدَّثَنَا بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسَرَّةَ ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ : سَيِّدًا , فَإِنَّهُ إنْ يَكُ سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا فِي الْقِسْمَةِ , فَأَعْطَى الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ , وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ مِثْلَ ذَلِكَ , وَأَعْطَى نَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ وَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ , فَقَالَ رَجُلٌ : وَاَللَّهِ إنَّ هَذِهِ لَقِسْمَةٌ مَا يَعْدِلُ فِيهَا , مَا أُرِيدُ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ , قَالَ فَقُلْتُ : وَاَللَّهِ لاَُخْبِرَنَّ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ , فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَانَ كَالصِّرْفِ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْدِلُ إذَا لَمْ يَعْدِلْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ , يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : قُلْت : لاَ جَرَمَ , لاَ أَرْفَعُ إلَيْهِ بَعْدَهَا حَدِيثًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى , ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحِ بْنِ الْمُهَاجِرِ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ , وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ الثَّقَفِيِّ قَالَ : سَمِعْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيَّ يَقُولُ : أَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : أَتَى رَجُلٌ بِالْجِعْرَانَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ وَفِي ثَوْبِ بِلاَلٍ فِضَّةٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبِضُ مِنْهَا يُعْطِي النَّاسَ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ اعْدِلْ قَالَ وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ فَقَالَ : مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي , إنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ أَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا , وَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا فَغَضِبَتْ الأَنْصَارُ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا , فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ : يَا لَلأَنْصَارِ وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ : يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ مَا شَأْنُهُمْ فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِيِّ الأَنْصَارِيَّ , فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ : قَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ , فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : أَلاَ تَقْتُلُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا الْخَبِيثَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ : أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ ، هُوَ ابْنُ زِيَادٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ قَالَ : سَمِعْت أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تُخَلَّصْ مِنْ تُرَابِهَا , فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ : عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ , وَالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ , وَزَيْدِ الْخَيْلِ وَشَكَّ فِي الرَّابِعِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ : كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَا مِنْ هَؤُلاَءِ , فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينٌ فِي السَّمَاءِ , يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً , فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ , مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ , نَاشِزُ الْجَبْهَةِ , كَثُّ اللِّحْيَةِ , مَحْلُوقُ الرَّأْسِ , مُشَمَّرُ الْإِزَارِ , فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ. فَقَالَ : وَيْلَكَ , أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ , فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ فَقَالَ : لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي. قَالَ خَالِدٌ : وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنِّي لَمْ أُؤْمَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ , وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ , إنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا , لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ , يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ : قَالَ : سَمِعْت قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ قُلْتُ لِعَمَّارٍ : أَرَأَيْتَ قِتَالَكُمْ هَذَا أَرَأْيٌ رَأَيْتُمُوهُ , فَإِنَّ الرَّأْيَ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ أَوَعَهِدَ إلَيْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مَا عَهِدَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا لَمْ يَعْهَدْهُ إلَى النَّاسِ كَافَّةً , وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَحَسَبُهُ قَالَ : حَدَّثَنِي حُذَيْفَةُ : أَنَّهُ قَالَ : فِي أُمَّتِي اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا لاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، وَلاَ يَجِدُونَ رِيحَهَا حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ , ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ يَكْفِيهِمْ الرَّسْلَةُ , سِرَاجٌ مِنْ النَّارِ يَظْهَرُ بَيْنَ أَكْتَافِهِمْ حَتَّى يَنْجُمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ هُوَ الزُّبَيْرِيُّ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عِيَاضٍ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ فِي خُطْبَتِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى , ثُمَّ قَالَ : إنَّ مِنْكُمْ مُنَافِقِينَ فَمَنْ سَمَّيْتُ فَلْيَقُمْ ثُمَّ قَالَ : قُمْ يَا فُلاَنُ , قُمْ يَا فُلاَنُ , قُمْ يَا فُلاَنُ حَتَّى عَدَّ سِتَّةً وَثَلاَثِينَ ثُمَّ قَالَ : إنَّ مِنْكُمْ وَإِنَّ فِيكُمْ , فَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَمَرَّ عُمَرُ بِرَجُلٍ مُقَنَّعٍ قَدْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَعْرِفَةٌ , قَالَ : مَا شَأْنُكَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّ رَجُلاً مِنْ الْمُنَافِقِينَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَلَّفُوا عَنْهُ وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا قَدِمَ النَّبِيُّ عليه السلام اعْتَذَرُوا إلَيْهِ وَحَلَفُوا وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا , فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنْ الْعَذَابِ.وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا أَحْمَدُ الْكُوفِيُّ ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو الطُّفَيْلِ قَالَ : كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَةِ وَبَيْنَ حُذَيْفَةَ مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ , كَمْ كَانَ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ : أَخْبِرْهُ إذْ سَأَلَكَ قَالَ يَعْنِي حُذَيْفَةَ : كُنَّا نُخْبَرُ أَنَّهُمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ , فَإِنْ كُنْتَ فِيهِمْ فَقَدْ كَانَ الْقَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ , وَأَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْهُمْ حِزْبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ , وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ , وَعَذَرَ ثَلاَثَةً , وَعَذَرَ ثَلاَثَةً قَالُوا : مَا سَمِعْنَا مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ عَلِمْنَا بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ قال أبو محمد : لَيْسَتْ هَذِهِ الْعَقَبَةُ الْفَاضِلَةُ الْمَحْمُودَةُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ , تِلْكَ كَانَتْ لِلأَنْصَارِ خَالِصَةً شَهِدَهَا مِنْهُمْ ، رضي الله عنهم ، سَبْعُونَ رَجُلاً وَثَلاَثُ نِسْوَةٍ , وَلَمْ يَشْهَدْهَا أَحَدٌ مِنْ غَيْرِهِمْ إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ , وَالْعَبَّاسُ عَمُّهُ , وَهُوَ غَيْرُ مُسْلِمٍ يَوْمَئِذٍ , لَكِنَّهُ شَفَقَةٌ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ جَعْفَرُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ , فَلَمَّا كَانَ قُرْبَ الْمَدِينَةِ هَاجَتْ رِيحٌ تَكَادُ أَنْ تَدْفِنَ الرَّاكِبَ , فَزَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : بُعِثَتْ هَذِهِ الرِّيحُ لِمَوْتِ مُنَافِقٍ , وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ , فَإِذَا عَظِيمٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ قَدْ مَاتَ قال أبو محمد : وَأَحَادِيثُ مَوْقُوفَةٌ عَلَى حُذَيْفَةَ فِيهَا : أَنَّهُ كَانَ يَدْرِي الْمُنَافِقِينَ , وَأَنَّ عُمَرَ سَأَلَهُ : أَهُوَ مِنْهُمْ قَالَ : لاَ , وَلاَ أَخْبَرَ أَحَدًا بَعْدَك بِمِثْلِ هَذَا , وَأَنَّ عُمَرَ كَانَ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَإِذَا حَضَرَ حُذَيْفَةُ جِنَازَةً حَضَرَهَا عُمَرُ , وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهَا حُذَيْفَةُ لَمْ يَحْضُرْهَا عُمَرُ , وَفِي بَعْضِهَا مِنْهُمْ : شَيْخٌ لَوْ ذَاقَ الْمَاءَ مَا وَجَدَ لَهُ طَعْمًا : كُلُّهَا غَيْرُ مُسْنَدَةٍ. وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : مَاتَ رَجُلٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ فَلَمْ أَذْهَبْ إلَى الْجِنَازَةِ فَقَالَ : هُوَ مِنْهُمْ , فَقَالَ لَهُ عُمَرُ : أَنَا مِنْهُمْ قَالَ : لاَ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ثَنْي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ الظَّفَرِيُّ , قَالَ : قُلْت لِمَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ : هَلْ كَانَ النَّاسُ يَعْرِفُونَ النِّفَاقَ فِيهِمْ قَالَ : نَعَمْ , وَاَللَّهِ إنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيَعْرِفُهُ مِنْ أَخِيهِ , وَمِنْ أَبِيهِ , وَمِنْ بَنِي عَمِّهِ , وَمِنْ عَشِيرَتِهِ , ثُمَّ يُلْبِسُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا عَلَى ذَلِكَ قَالَ مَحْمُودٌ : لَقَدْ أَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ مَعْرُوفٍ نِفَاقُهُ كَانَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ سَارَ , فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَجَرِ مَا كَانَ , وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَعَا فَأَرْسَلَ اللَّهُ السَّحَابَةَ فَأَمْطَرَتْ حَتَّى ارْتَوَى النَّاسُ , أَقْبَلْنَا عَلَيْهِ نَقُولُ : وَيْحُكَ أَبَعْدَ هَذَا شَيْءٌ قَالَ : سَحَابَةٌ مَارَّةٌ , ثُمَّ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَارَ حَتَّى كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ ضَلَّتْ نَاقَتُهُ , فَخَرَجَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَلَبِهَا , وَعِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ : عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ , وَكَانَ عَقَبِيًّا بَدْرِيًّا وَهُوَ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ وَكَانَ فِي رَحْلِ يَزِيدَ بْنِ نَصِيبٍ الْقَيْنُقَاعِيِّ وَكَانَ مُنَافِقًا , فَقَالَ يَزِيدُ وَهُوَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ وَعُمَارَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ عليه السلام : أَلَيْسَ مُحَمَّدٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَيُخْبِرُكُمْ عَنْ خَبَرِ السَّمَاءِ , وَلاَ يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَارَةُ عِنْدَهُ : إنَّ رَجُلاً قَالَ : هَذَا مُحَمَّدٌ يُخْبِرُكُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ وَيَزْعُمُ أَنَّهُ يُخْبِرُكُمْ بِخَبَرِ السَّمَاءِ هُوَ لاَ يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ وَإِنِّي وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُ إِلاَّ مَا عَلَّمَنِي اللَّهُ , وَقَدْ دَلَّنِي عَلَيْهَا وَهِيَ فِي هَذَا الْوَادِي مِنْ شِعْبِ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ بِزِمَامِهَا , فَانْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُونِي بِهَا فَذَهَبُوا فَجَاءُوا بِهَا , فَرَجَعَ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ إلَى رَحْلِهِ , فَقَالَ : وَاَللَّهِ لاََعْجَبُ شَيْءٍ حَدَّثْنَاهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آنِفًا عَنْ مَقَالَةِ قَائِلٍ أَخْبَرَهُ اللَّهُ عَنْهُ كَذَا وَكَذَا لِلَّذِي قَالَ يَزِيدُ بْنُ نَصِيبٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ وَلَمْ يَحْضُرْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَزِيدُ , وَاَللَّهِ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ فَأَقْبَلَ عُمَارَةُ عَلَى يَزِيدَ يَجَأُ فِي عُنُقِهِ وَيَقُولُ : يَا آلَ عِبَادِ اللَّهِ , إنَّ فِي رَحْلِي الرَّاهِبَةَ , وَمَا أَشْعُرُ , اُخْرُجْ , أَيْ عَدُوَّ اللَّهِ مِنْ رَحْلِي فَلاَ تَصْحَبْنِي وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ : كُنَّا عِنْدَ حُذَيْفَةَ وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ حُذَيْفَةُ : مَا بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الآيَةِ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ , يَعْنِي قوله تعالى فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إلَى قَوْلِهِ يَنْتَهُونَ قَالَ حُذَيْفَةُ : وَلاَ بَقِيَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ , فَقَالَ لَهُ أَعْرَابِيٌّ : إنَّكُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ تُخْبِرُونَنَا بِمَا لاَ نَدْرِي , فَمَا هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَنْقُرُونَ بُيُوتَنَا , وَيَسْرِقُونَ أَعْلاَفَنَا قَالَ : أُولَئِكَ الْفُسَّاقُ , أَجَلْ , لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ : شَيْخٌ كَبِيرٌ لَوْ شَرِبَ الْمَاءَ وَجَدَ لَهُ بَرْدًا قال أبو محمد : هَذَا كُلُّ مَا حَضَرَنَا ذِكْرُهُ مِنْ الأَخْبَارِ , وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةٌ أَصْلاً. أَمَّا حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الدِّخْشَنِ فَصَحِيحٌ وَهُوَ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ , لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِأَنَّ شَهَادَةَ التَّوْحِيدِ تَمْنَعُ صَاحِبَهَا وَهَكَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نُهِينَا عَنْ قِتَالِ الْمُصَلُّونً. وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ لاَ تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدًا فَإِنَّ هَذَا عُمُومًا لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ , وَلاَ يَخْفَى هَذَا عَلَى أَحَدٍ وَإِذْ الأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِذَا عَرَفْنَا الْمُنَافِقَ وَنُهِينَا أَنْ نُسَمِّيَهُ " سَيِّدًا " فَلَيْسَ مُنَافِقًا بَلْ مُجَاهِرًا , وَإِذَا عَرَفْنَا مَنْ الْمُنَافِقُ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ الْغَيْبَ ، وَلاَ مَا فِي ضَمِيرِهِ فَهُوَ مُعْلِنٌ لاَ مُسِرٌّ. وَقَدْ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّ خِصَالاً مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا قَبْلُ. وَلَيْسَ هَذَا نِفَاقُ الْكُفْرِ , لَكِنَّهُ مُنَافِقٌ لأَِظْهَارِهِ خِلاَفَ مَا يُضْمِرُهُ فِي هَذِهِ الْخِلاَلِ الْمَذْكُورَةِ فِي كَذِبِهِ , وَغَدْرِهِ , وَفُجُورِهِ , وَإِخْلاَفِهِ , وَخِيَانَتِهِ وَمَنْ هَذِهِ صِفَاتُهُ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُسَمَّى سَيِّدًا , وَمَنْ سَمَّاهُ سَيِّدًا فَقَدْ أَسْخَطَ اللَّهَ تَعَالَى بِإِخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّ الْقَائِلَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْدِلْ , وَلاَ أَرَادَ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا عَمِلَ فَهُوَ كَافِرٌ مُعْلِنٌ بِلاَ شَكٍّ. وَكَذَلِكَ الْقَائِلُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ إذْ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فِي قَتْلِهِ إذْ قَالَ : اعْدِلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ عَنْ ذَلِكَ , وَأَخْبَرَ بِأَنَّهُ لاَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ. وَكَذَلِكَ أَيْضًا اسْتِئْذَانُ عُمَرَ فِي قَتْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ أَنَّ هَؤُلاَءِ صَارُوا بِإِظْهَارِهِمْ الإِسْلاَمَ بَعْدَ أَنْ قَالُوا مَا قَالُوا : حُرِّمَتْ دِمَاؤُهُمْ وَصَارُوا بِذَلِكَ جُمْلَةَ أَصْحَابِهِ عليه السلام. قال أبو محمد : فَهَذَا مَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ رَأَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ لاَ يُقْتَلُ أَصْلاً , لأََنَّ هَؤُلاَءِ مُرْتَدُّونَ بِلاَ شَكٍّ , وَلَمْ يَقْتُلْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَقَدْ قَتَلَ أَصْحَابَهُ الْفُضَلاَءَ , كَمَاعِزٍ , وَالْغَامِدِيَّةِ , وَالْجُهَيْنِيَّةِ , إذْ وَجَبَ الْقَتْلُ عَلَيْهِمْ , وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ عَلَى هَؤُلاَءِ الْمُرْتَدِّينَ لَمَا ضَيَّعَ ذَلِكَ أَصْلاً قال أبو محمد : فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ إنَّهُ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ فِي أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُسَمِّيَ كَافِرًا مُعْلِنًا بِأَنَّهُ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَلاَ أَنَّهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عليه السلام , وَهُوَ عليه السلام قَدْ أَثْنَى عَلَى أَصْحَابِهِ. فَصَحَّ أَنَّهُمْ أَظْهَرُوا الإِسْلاَمَ , فَحُرِّمَتْ بِذَلِكَ دِمَاؤُهُمْ فِي ظَاهِرِ الأَمْرِ , وَبَاطِنُهُمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي صِدْقٍ أَوْ كَذِبٍ , فَإِنْ كَانُوا صَادِقِينَ فِي تَوْبَتِهِمْ فَهُمْ أَصْحَابُهُ حَقًّا عِنْدَ النَّاسِ ظَاهِرُهُمْ , وَعِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بَاطِنُهُمْ وَظَاهِرُهُمْ , فَهُمْ الَّذِينَ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُنَا مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ نُصَيْفَ مُدِّ أَحَدِهِمْ , وَإِنْ كَانُوا كَاذِبِينَ , فَهُمْ فِي الظَّاهِرِ مُسْلِمُونَ , وَعِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كُفَّارٌ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ إذْ اسْتَأْذَنَهُ خَالِدٌ فِي قَتْلِ الرَّجُلِ فَقَالَ : لاَ , لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي , فَقَدْ صَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ عليه السلام لِخَالِدٍ عَنْ قَتْلِهِ , وَلَوْ حَلَّ قَتْلُهُ لَمَا نَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ , وَأَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّبَبِ الْمَانِعِ مِنْ قَتْلِهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَعَلَّهُ يُصَلِّي فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ : رُبَّ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ , فَأَخْبَرَهُ : أَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ لِيَشُقَّ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الظَّاهِرُ وَأَخْبَرَنَا عليه السلام أَنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا فِي قُلُوبِهِمْ , وَأَنَّ ظَاهِرَهُمْ مَانِعٌ مِنْ قَتْلِهِمْ أَصْلاً. وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ طَرِيقٍ لاَ تَصِحُّ , وَفِيهِ : أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ أَبَا بَكْرٍ , وَعُمَرَ , بِقَتْلِهِ , فَوَجَدَهُ يَرْكَعُ , وَوَجَدَهُ الآخَرُ يَسْجُدُ فَتَرَكَاهُ , وَأَمَرَ عَلِيًّا بِقَتْلِهِ فَمَضَى فَلَمْ يَجِدْهُ , وَأَنَّهُ عليه السلام قَالَ : لَوْ قُتِلَ لَمْ يَخْتَلِفْ مِنْ أُمَّتِي اثْنَانِ وَهَذَا لاَ يَصِحُّ أَصْلاً , وَلاَ وَجْهَ لِلأَشْتِغَالِ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فِي أُمَّتِي اثْنَا عَشَرَ مُنَافِقًا فَلَيْسَ فِيهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ وَهُوَ إخْبَارٌ بِصِفَةٍ عَنْ عَدَدٍ فَقَطْ لَيْسَ فِيهِمْ بَيَانُ أَنَّهُمْ عُرِفُوا بِأَسْمَائِهِمْ فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهَذَا الْخَبَرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ فَإِنَّنَا قَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ , فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ. وَقَالَ سُفْيَانُ عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يُسَمِّ عَنْ أَبِيهِ : أَرَاهُ عِيَاضُ بْنُ عِيَاضٍ , فَقَدْ أَخْبَرَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ : أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ , لأََنَّهُمْ قَدْ انْكَشَفُوا وَاشْتَهَرَ أَمْرُهُمْ , فَلَيْسُوا مُنَافِقِينَ , بَلْ هُمْ مُجَاهِرُونَ فَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا : إمَّا أَنْ يَكُونُوا تَابُوا فَحُقِنَتْ دِمَاؤُهُمْ بِذَلِكَ , وَأَمَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَتُوبُوا فَهُوَ مِمَّا تَعَلَّقَ بِهِ مَنْ لاَ يَرَى قَتْلَ الْمُرْتَدِّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مَأْمُونِينَ مِنْ الْعَذَابِ وَهَذَا مَا لاَ شَكَّ فِيهِ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرَفَ كُفْرَهُمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فَسَاقِطٌ , لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ وَهُوَ هَالِكٌ ، وَلاَ نَرَاهُ يَعْلَمُ مَنْ وَضَعَ الْحَدِيثَ فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى أَخْبَارًا فِيهَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ , وَعُمَرَ , وَعُثْمَانَ , وَطَلْحَةَ , وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ ، رضي الله عنهم ، أَرَادُوا قَتْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلْقَاءَهُ مِنْ الْعَقَبَةِ فِي تَبُوكَ وَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ الْمَوْضُوعُ الَّذِي يَطْعَنُ اللَّهُ تَعَالَى وَاضِعَهُ فَسَقَطَ التَّعَلُّقُ بِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَاوِيه أَبُو سُفْيَانَ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ , لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ هُبُوبُ الرِّيحِ لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُنَافِقِينَ , فَإِنَّمَا فِي هَذَا انْكِشَافُ أَمْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَمْ يُوقِنْ قَطُّ , بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ نِفَاقَهُ فِي حَيَاتِهِ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقْطَعَ بِالظَّنِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا الْمَوْقُوفَةُ عَلَى حُذَيْفَةَ فَلاَ تَصِحُّ وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ بِلاَ شَكٍّ عَلَى مَا بَيَّنَّا مِنْ أَنَّهُمْ صَحَّ نِفَاقُهُمْ وَعَاذُوا بِالتَّوْبَةِ , وَلَمْ يَقْطَعْ حُذَيْفَةُ ، وَلاَ غَيْرُهُ عَلَى بَاطِنِ أَمْرِهِمْ , فَتَوَرَّعَ عَنْ الصَّلاَةِ عَلَيْهِمْ. وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ عُمَرَ سَأَلَهُ : أَنَا مِنْهُمْ فَقَالَ لَهُ : لاَ , وَلاَ أُخْبِرُ أَحَدًا غَيْرَك بَعْدَك وَهَذَا بَاطِلٌ كَمَا تَرَى , لأََنَّ مِنْ الْكَذِبِ الْمَحْضِ أَنْ يَكُونَ عُمَرُ يَشُكُّ فِي مُعْتَقَدِ نَفْسِهِ حَتَّى لاَ يَدْرِي أَمُنَافِقٌ هُوَ أَمْ لاَ وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يَخْتَلِفْ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي أَنَّ جَمِيعَ الْمُهَاجِرِينَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُنَافِقٌ , إنَّمَا كَانَ النِّفَاقُ فِي قَوْمٍ مِنْ الأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فَقَطْ فَظَهَرَ بُطْلاَنُ هَذَا الْخَبَرِ. وَأَمَّا حَدِيثُ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ فَمُنْقَطِعٌ , وَمَعَ هَذَا فَإِنَّمَا فِيهِ : أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَ الْمُنَافِقِينَ مِنْهُمْ , وَإِذْ الأَمْرُ كَذَلِكَ فَلَيْسَ هَذَا نِفَاقًا بَلْ هُوَ كُفْرٌ مَشْهُورٌ , وَرِدَّةٌ ظَاهِرَةٌ هَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ رَأَى أَنَّهُ لاَ يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ. وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ " لَمْ يَبْقَ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الآيَةِ إِلاَّ ثَلاَثَةٌ " فَصَحِيحٌ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , لأََنَّ فِي نَصِّ الآيَةِ أَنْ يُقَاتِلُوا حَتَّى يَنْتَهُوا , فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَنْتَهُوا لَمَا تُرِكَ قِتَالُهُمْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ " أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ " فَلاَ شَكَّ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ أَنَّ أُولَئِكَ الأَرْبَعَةَ كَانُوا يُظْهِرُونَ الإِسْلاَمَ , وَأَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ غَيْبَ الْقُلُوبِ إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى , فَهُمْ مِمَّنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ , ثُمَّ اللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِهِمْ قال أبو محمد : وَيُبَيِّنُ هَذَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ ، حَدَّثَنَا أَبِي ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ ني إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ عَنْ الأَسْوَدِ قَالَ : كُنَّا فِي حَلْقَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَجَاءَ حُذَيْفَةُ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا فَسَلَّمَ , ثُمَّ قَالَ : لَقَدْ أُنْزِلَ النِّفَاقُ عَلَى قَوْمٍ خَيْرٍ مِنْكُمْ , قَالَ الأَسْوَدُ : سُبْحَانَ اللَّهِ , إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ ، حَدَّثَنَا آدَم بْنُ أَبِي إيَاسٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاصِلٍ الأَحْدَبِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ : إنَّ الْمُنَافِقِينَ الْيَوْمَ شَرٌّ مِنْهُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا حِينَئِذٍ يُسِرُّونَ وَالْيَوْمَ يَجْهَرُونَ قال أبو محمد : فَهَذَانِ أَثَرَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ , فِي أَحَدِهِمَا بَيَانٌ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يُسِرُّونَ , وَفِي الثَّانِي أَنَّهُمْ تَابُوا فَبَطَلَ تَعَلُّقُ مَنْ تَعَلَّقَ بِكُلِّ آيَةٍ وَكُلِّ خَبَرٍ وَرَدَ فِي الْمُنَافِقِينَ. وَصَحَّ أَنَّهُمْ قِسْمَانِ : إمَّا قِسْمٌ لَمْ يُعْلَمْ بَاطِنُ أَمْرِهِ , فَهَذَا لاَ حُكْمَ لَهُ فِي الآخِرَةِ , وَقِسْمٌ عُلِمَ بَاطِنُ أَمْرِهِ وَانْكَشَفَ فَعَاذَ بِالتَّوْبَةِ. قَالُوا : إنَّ الَّذِي جَوَّرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : إنَّهُ لَمْ يَعْدِلْ , وَلاَ أَرَادَ بِقِسْمَتِهِ وَجْهَ اللَّهِ مُرْتَدٌّ لاَ شَكَّ فِيهِ , مُنْكَشِفُ الأَمْرِ , وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ أَنَّهُ تَابَ مِنْ ذَلِكَ , وَلاَ أَنَّهُ قُتِلَ , بَلْ فِيهَا النَّهْيُ عَنْ قَتْلِهِ قلنا : أَمَّا هَذَا فَحَقٌّ , كَمَا قُلْتُمْ , لَكِنَّ الْجَوَابَ فِي هَذَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ أَمَرَ بَعْدُ بِقَتْلِ مَنْ ارْتَدَّ , فَلِذَلِكَ لَمْ يَقْتُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِذَلِكَ نَهَى عَنْ قَتْلِهِ , ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ بِقَتْلِ مَنْ ارْتَدَّ عَنْ دِينِهِ فَنُسِخَ تَحْرِيمُ قَتْلِهِمْ. برهان ذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ، حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : بَعَثَ عَلِيٌّ وَهُوَ بِالْيَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ : الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ الْحَنْظَلِيِّ , وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ , وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلاَثَةَ الْعَامِرِيِّ , وَزَيْدِ الْخَيْرِ الطَّائِيِّ أَحَدِ بَنِي نَبْهَانَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ , وَفِيهِ : فَجَاءَ رَجُلٌ كَثُّ اللِّحْيَةِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ نَاتِئُ الْجَبِينِ مَحْلُوقُ الرَّأْسِ فَقَالَ : اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ , فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ إنْ عَصَيْتُهُ أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ , وَلاَ تَأْمَنُونِي , فَاسْتَأْذَنَ رَجُلٌ فِي قَتْلِهِ يَرَوْنَ أَنَّهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدْعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ يَمْرُقُونَ مِنْ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمَ مِنْ الرَّمِيَّةِ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لاََقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ. حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبُجَيْرَمِيُّ ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ ، حَدَّثَنَا سَلَّامٍ بْنِ سُلَيْمَانَ هُوَ أَبُو الأَحْوَصِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ عَلِيًّا بَعَثَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذُهَيْبَةٍ فِي تُرْبَتِهَا فَقَسَمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ , بَيْنَ : عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ , وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلاَثَةَ الْكِلاَبِيِّ وَالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ التَّمِيمِيِّ , وَزَيْدِ الْخَيْرِ الطَّائِيِّ , فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ , وَقَالُوا : يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّمَا أَعْطَيْتُهُمْ أَتَأَلَّفُهُمْ , فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ , مَحْلُوقُ الرَّأْسِ مُشْرِفُ الْوَجْنَتَيْنِ , نَاتِئُ الْجَبِينِ , فَقَالَ : اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ يُطِيعُ اللَّهَ إنْ عَصَيْتُهُ أَنَا أَيَأْمَنُنِي عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ ، وَلاَ تَأْمَنُونِي فَاسْتَأْذَنَ عُمَرُ فِي قَتْلِهِ , فَأَبَى , ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ , يَمْرُقُونَ مِنْ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ , يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ , وَيَدْعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ , وَاَللَّهِ لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ لاََقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ. قال أبو محمد : فَصَحَّ كَمَا تَرَى الْإِسْنَادُ الثَّابِتُ : أَنَّ هَذَا الْمُرْتَدَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ , وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي قَتْلِهِ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ , وَأَخْبَرَ عليه السلام فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ : أَنَّهُ سَيَأْتِي مِنْ ضِئْضِئِهِ عِصَابَةٌ إنْ أَدْرَكَهُمْ قَتَلَهُمْ , وَأَنَّهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ , فَقَدْ خَرَجَ عَنْهُ , وَمَنْ خَرَجَ عَنْهُ بَعْدَ كَوْنِهِ فَدُخُولُهُ كَدُخُولِ السَّهْمِ فِي الرَّمِيَّةِ , فَقَدْ ارْتَدَّ عَنْهُ. فَصَحَّ إنْذَارُ النَّبِيِّ عليه السلام بِوُجُوبِ قَتْلِ الْمُرْتَدِّ , وَأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ سَيَأْمُرُ بِذَلِكَ الْوَقْتِ فَثَبَتَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ قَتْلَ مَنْ ارْتَدَّ كَانَ حَرَامًا وَلِذَلِكَ نَهَى عَنْهُ عليه السلام وَلَمْ يَأْذَنْ بِهِ لاَ لِعُمَرَ , وَلاَ لِخَالِدٍ. ثُمَّ إنَّهُ عليه السلام نَذَرَ بِأَنَّهُ سَيُبَاحُ قَتْلُهُ , وَأَنَّهُ سَيَجِبُ قَتْلُ مَنْ يَرْتَدُّ فَصَحَّ يَقِينًا نَسْخُ ذَلِكَ الْحَالِ , وَقَدْ نُسِخَ ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَاهُ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , وَابْنِ مَسْعُودٍ , وَعُثْمَانَ , وَمُعَاذٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال أبو محمد رحمه الله : فَإِذْ قَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ الْمَقَالَةُ مِنْ أَنْ لاَ يُقْتَلَ الْمُرْتَدُّ , وَصَحَّ أَنَّهُ مَنْ قَالَ : إنَّهُ تَعَلَّقَ بِمَنْسُوخٍ , فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ : يُسْتَتَابُ , وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.
|